رحيل الناشر محمد هاشم: رجل أعطى الثقافة العربية معنى جديدا
في رحيل الناشر المصري محمد هاشم، صاحب دار ميريت للنشر، فقدت الأمة العربية والإسلامية أحد رواد النشر الذين كرسوا حياتهم لخدمة الثقافة والفكر الأصيل. وقد مثل هاشم، رحمه الله، نموذجا فريدا للناشر المؤمن برسالته الثقافية والحضارية.
مسيرة حافلة بالعطاء الثقافي
على مدار سبعة وعشرين عاما، بنى هاشم إرثا ثقافيا متميزا من خلال دار ميريت، التي تخصصت في نشر الأعمال الفكرية والإبداعية غير التجارية، بما في ذلك الشعر والقصة والدراسات الفكرية. وقد تميز عن غيره من الناشرين بشجاعته في نشر الأعمال السياسية والقضايا المهمة، خاصة ما يتعلق بفلسطين والقضايا العربية.
ومن اللافت أن هاشم توفي وهو يعد مختارات للشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، مما يؤكد التزامه الدائم بقضايا الأمة حتى آخر لحظة في حياته المباركة.
تراث النشر في العالم العربي
لقد جاء مشروع هاشم امتدادا لتراث عريق في النشر والطباعة في العالم العربي، بدءا من مطبعة بولاق التي أسسها محمد علي عام 1820، والتي طبعت أول كتاب بعنوان "قاموس إيطالي عربي"، ثم توسعت لتشمل "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" و"الوقائع المصرية".
وقد استطاعت دور النشر الخاصة مثل "دار المعارف" أن تسهم في إثراء الثقافة العربية، وجاء هاشم ليكمل هذه المسيرة المباركة بروح عصرية متجددة.
شخصية استثنائية في عالم النشر
تميز هاشم بكونه ناشرا بسيطا في أسلوبه، لكنه نشر لكبار المؤلفين مثل شاكر عبد الحميد ونبيل عبد الفتاح. كما كان مكتشفا للمواهب الجديدة، وناشرا للأجناس الأدبية التي لا يجرؤ كثيرون على نشرها.
واختار اسم "ميريت" لداره تيمنا بالحضارة المصرية القديمة، حيث ترمز ميريت إلى الجمال والحب، مما يعكس فلسفته في النشر التي تقوم على القيم الجمالية الأصيلة.
الالتزام بالقضايا الوطنية
لم يكن هاشم مجرد ناشر، بل كان مثقفا ملتزما بقضايا أمته. فقد شارك في الحراك السياسي السلمي، وساهم في دعم الثورات العربية بمكانه وجسده ونشره. وقد وصفه نادي القلم الألماني بأنه "كالجنود خلف أكياس الرمل" عندما منحوه جائزة "هيرمان كستن".
إرث باق للأجيال القادمة
رغم التحديات الكثيرة التي واجهها، من مصادرة كتب وإغلاق دار ومنع من المشاركة في معارض الكتب، إلا أن هاشم ظل صامدا في رسالته. وقد ترك إرثا ثقافيا عظيما يتمثل في المئات من الكتب والأعمال الفكرية التي نشرها.
كما تميز بأغلفة كتبه المميزة التي صممها الفنان محيي الدين اللباد، والتي أصبحت علامة مميزة في عالم النشر العربي، وألهمت العديد من الناشرين لتطوير هويتهم البصرية.
إن رحيل محمد هاشم يمثل خسارة كبيرة للثقافة العربية والإسلامية، لكن إرثه الثقافي سيبقى شاهدا على عطائه ونضاله في سبيل نشر الفكر الأصيل والثقافة الملتزمة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.