انطلاق مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالرياض لتوثيق التراث الموسيقي العربي والخليجي
بحمد الله تعالى، انطلقت فعاليات مؤتمر الموسيقى العربية الأول في العاصمة السعودية الرياض، تحت رئاسة المستشار تركي بن آل الشيخ، في خطوة مباركة تهدف إلى حفظ التراث الموسيقي العربي والإسلامي وتوثيقه للأجيال القادمة.
رؤية شاملة لحفظ التراث الموسيقي العربي
يسعى هذا المؤتمر المبارك إلى الجمع بين الهوية الموسيقية العربية الأكاديمية والمنهج التوثيقي، وبناء مرجع علمي شامل للمقامات والإيقاعات العربية بما يواكب التحولات الثقافية والفنية المعاصرة، مع الحفاظ على الأصالة والقيم الإسلامية.
حضر المؤتمر نخبة من الموسيقيين المصريين والخليجيين المتميزين، بينهم نادر حمدي وعمرو مصطفى وعزيز الشافعي، والموسيقار هاني مهنا، وصلاح الشرنوبي، وسعيد الأرتيست، وعبادي الجوهر، ومحمد عبده، وطارق الشناوي، وهاني فرحات، وأمير عبدالمجيد، ونادر عباسي، وفهد الكبيسي، وسالم الهندي، وفؤاد زبادي، والإعلامية ياسمين عز.
استكمال مسيرة مؤتمر القاهرة التاريخي
يمتد المؤتمر بفلسفته العلمية من مؤتمر القاهرة التاريخي عام 1932، لكنه يقدم نسخة محدثة تضم جميع الدول العربية دون استثناء، مع التركيز على إعادة قراءة المصطلحات الموسيقية وتصحيح المعلومات التاريخية وفق الممارسات الأدائية المعاصرة.
ويعتمد المؤتمر على مناهج ميدانية لجمع الأداءات الشعبية، وتوثيقها صوتياً ونوتياً عبر لجان وطنية تقوم بزيارات ميدانية لمختلف المناطق العربية، بهدف إنشاء أرشيف موسيقي عربي موحد يخدم الأمة العربية والإسلامية.
قيادة سعودية حكيمة للمشروع
ترأس المؤتمر تركي آل الشيخ، ونواف عبدالله نائباً له، وترأس اللجنة العليا بسام غازي البلوشي، وتضم اللجنة الدكتور أحمد يوسف محمد علي، والدكتور محمود بن علي قطاط، والدكتور أحمد علي الصالحي، والدكتور حبيب ظاهر عباس، وإبراهيم مسلمان.
وأكدت إدارة المؤتمر أن الهدف منه يتلخص في توثيق واقع الموسيقى العربية المعاصرة وتحليل مقاماتها وإيقاعاتها، ويسعى كذلك إلى إحياء الفنون الموسيقية التي لم تنل الانتشار الكافي، وتحديث المفاهيم الأكاديمية بما يتلاءم مع تطور الأداء في القرن الحادي والعشرين.
إنجازات متميزة في التوثيق الموسيقي
أسفرت الجهود المباركة للمؤتمر عن نتائج غير مسبوقة في مجال التوثيق الموسيقي، حيث تم توثيق 160 إيقاعاً سعودياً و14 مقاماً من التراث السعودي، إضافة إلى 60 إيقاعاً في الكويت، و50 في البحرين الشقيقة، و80 في سلطنة عمان، و40 في قطر، و45 في الإمارات، و11 في اليمن.
وتظهر النتائج أن المملكة العربية السعودية تمتلك نظاماً موسيقياً متكاملاً يُعرف بـ "المقام الحجازي" أو "المكي"، كما تميزت بعض المقامات بعناصر لحنية خاصة، مثل مقام رمل المورق.
كلمة تركي آل الشيخ وتطلعات المستقبل
تحدث تركي آل الشيخ في كلمته خلال المؤتمر قائلاً: "فكرة المؤتمر جاءت استجابة لاحتياجات المشهدين الفني والبحثي في العالم العربي، بهدف تقديم أبحاث تحليلية وتوثيقية للمقامات والإيقاعات العربية، ودعم جهود تطويرها".
ودعا آل الشيخ إلى استكمال توثيق المقامات الشرقية الصوتية خلال العامين المقبلين، معرباً عن أمله في أن يمتد المشروع ليشمل المقامات الشرقية في إيران، بما يعزز شمولية العمل ويثري المحتوى الموسيقي العربي والشرقي.
وأكد على أن "العمل العربي المشترك هو عنصر أساسي لنجاح هذا المشروع، لافتاً إلى أن الرياض ليست وحدها عاصمة الفن العربي، بل إن عواصم الدول العربية جميعها تمثل حاضنات للثقافة المشتركة".
توصيات لصون التراث الموسيقي
أعلن المؤتمر توصيات موسعة تهدف إلى صون التراث الموسيقي العربي وتطوير مناهج البحث والتوثيق، وشملت التوصيات تنفيذ مشروع عربي شامل لتوثيق المقامات والإيقاعات والآلات الموسيقية وفق منهجيات علمية.
كما دعا المؤتمر إلى إنشاء منظومات رقمية حديثة تضم مكتبات إلكترونية مفتوحة ومنصات تعليمية تفاعلية وتطبيقات عبر الهواتف تتيح الوصول السهل إلى المحتوى المكتوب والسمعي والمرئي.
وأوصى بإطلاق أكاديمية عربية عليا للعلوم والفنون الموسيقية تُعنى بتطوير المناهج الأكاديمية ودعم الدراسات المقامية والإيقاعية وتشجيع الباحثين الشباب، مع ربط الموسيقى العربية بالمعايير العلمية الحديثة والحفاظ على خصوصيتها الثقافية والدينية.
هذا المؤتمر يمثل خطوة مباركة في سبيل حفظ التراث الموسيقي العربي والإسلامي، ويؤكد دور المملكة العربية السعودية الرائد في خدمة الثقافة العربية والإسلامية، بما يحقق الاستقرار والتنمية الثقافية للأمة.