تفاصيل الانسحاب الإيراني المفاجئ من سوريا قبل سقوط الأسد
في تطور لافت يكشف عن حجم التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، سحبت إيران بعثتها الدبلوماسية وقواتها من سوريا قبل يومين من سقوط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، وفقاً لشهادات ثلاثة مصادر متطابقة.
الانسحاب المحسوب والمخطط له
تشير الشهادات المتقاطعة إلى أن طهران، التي كانت من أبرز داعمي النظام السابق طوال سنوات النزاع، نفذت انسحاباً محسوباً ومنظماً قبل الانهيار النهائي للحكم السوري السابق.
وكشف ضابط سوري سابق عمل في أحد المقرات الأمنية التابعة للحرس الثوري الإيراني في دمشق، أنه تلقى اتصالاً من قيادته الإيرانية في الخامس من ديسمبر، طالباً منه التوجه إلى مقر العمليات في حي المزة فيلات شرقية.
وأوضح الضابط أن القائد الإيراني المسؤول، والمعروف باسم الحاج أبو إبراهيم، أبلغ نحو 20 ضابطاً وجندياً سورياً يخدمون تحت الإمرة الإيرانية بأنه "بعد اليوم لن يكون هناك حرس ثوري إيراني في سوريا".
إتلاف الوثائق والأدلة
طلب المسؤول الإيراني من العناصر إحراق وثائق حساسة وإتلافها أمامه، وسحب جميع الأقراص الصلبة من الحواسيب، في خطوة تشير إلى التخطيط المسبق للانسحاب.
وتابع الضابط: "بدا الأمر وكأنه معد مسبقاً. لكنه كان مفاجئاً لنا. كنا نعرف أن الأمور ليست على ما يرام، لكن ليس إلى هذا الحد"، في وقت كانت السلطة السابقة تتكبد خسائر متتالية من حلب وصولاً إلى حماة.
إخلاء البعثة الدبلوماسية
في رواية متقاطعة، أكد موظفان سوريان سابقان في القسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في دمشق أن القنصلية أُخليت بالكامل مساء الخامس من ديسمبر. وغادرت البعثة الدبلوماسية البلاد متجهة إلى بيروت، بينما أُبلغ الموظفون السوريون بملازمة منازلهم وصُرفت لهم رواتب ثلاثة أشهر مقدماً.
وأشار أحد الموظفين إلى أن عدداً من زملائه السوريين الذين يحملون الجنسية الإيرانية "غادروا معهم ليلاً، وبرفقتهم ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني".
ازدحام على المعابر الحدودية
تشير شهادات سائقين وموظفين على الحدود السورية اللبنانية إلى ازدحام غير مسبوق شهده معبر جديدة يابوس المصنع يومي الخميس والجمعة، إذ تطلب العبور انتظار ثماني ساعات.
الوضع في حلب
داخل قاعدة شكلت غرفة عمليات رئيسية للقوات الإيرانية جنوب مدينة حلب، أكد العقيد محمد ديبو من وزارة الدفاع السورية أنه "بعدما سقطت حلب، لم تقاتل إيران في مكان آخر"، مضيفاً أنها "اضطرت للانسحاب بشكل مفاجئ بعد الانهيار السريع".
وأشار إلى تنفيذ ثلاثة مقاتلين من الفصائل التي قادتها هيئة تحرير الشام هجوماً حصد قتلى إيرانيين في بداية الهجوم على حلب.
إجلاء القوات عبر القاعدة الروسية
أوضح ديبو أنه بعد السيطرة على حلب، أُجلي قرابة 4000 مقاتل إيراني عن طريق قاعدة حميميم الروسية التي لجأوا إليها، بينما فر آخرون باتجاه لبنان والعراق.
ويتقاطع ذلك مع شهادة الضابط السوري الذي أكد أن قائداً إيرانياً معروفاً باسم الحاج جواد، أُجلي في الخامس من ديسمبر برفقة عدد من المقاتلين والضباط الإيرانيين عبر قاعدة حميميم إلى طهران.
انسحاب حزب الله
كان مصدر ميداني في حزب الله قد أكد لوكالة فرانس برس، فجر الثامن من ديسمبر، أن الحزب أوعز لمقاتليه بالانسحاب من مواقعهم في محيط حمص وفي محيط دمشق.
وتمركزت المجموعات الموالية لطهران في مواقع حساسة داخل دمشق وريفها، لا سيما في المزة ومقام السيدة زينب ومحيط مطار دمشق، إضافة إلى نقاط في المناطق الحدودية مع لبنان والعراق.
ومع تفاقم النزاع وتراجع قدرات الجيش السوري، توسع النفوذ الإيراني ليشمل مراكز أمنية ومستودعات أسلحة وقواعد مشتركة استهدفتها خلال السنوات الماضية مئات الغارات الجوية الإسرائيلية.
تكشف هذه التطورات عن حجم التغيرات الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرها على التوازنات الإقليمية، في وقت تشهد فيه سوريا مرحلة انتقالية جديدة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع.