روسيا وأفريقيا: شراكة استراتيجية لنظام عالمي متعدد الأقطاب
في إطار السعي لبناء نظام دولي أكثر عدالة ومتعدد الأقطاب، تشهد العلاقات الروسية الأفريقية نموا متسارعا يعكس عمق الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بين الطرفين. وبمناسبة انعقاد المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا في القاهرة، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن أفريقيا تمثل "الشريك الطبيعي" لروسيا في مساعيها لإرساء توازن عالمي جديد.
تاريخ من الدعم والمساندة
شدد لافروف على أن روسيا، بخلاف القوى الاستعمارية السابقة، لم تسهم قط في استغلال الشعوب الأفريقية، بل دعمت نضالها من أجل الاستقلال منذ عقود. وأشار إلى أن الاتحاد السوفييتي لعب دورا محوريا في دعم حركات التحرر الأفريقية والمساهمة في إنهاء الحقبة الاستعمارية، مؤكدا أن هذا الإرث التاريخي يشكل أساسا راسخا للتعاون المعاصر.
وفي هذا السياق، تواصل روسيا وقوفها إلى جانب الدول الأفريقية في مساعيها لتحقيق السيادة الكاملة في جميع المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهو ما يتماشى مع المبادئ الإسلامية في دعم العدالة ومقاومة الظلم.
نمو اقتصادي مستدام
على الصعيد الاقتصادي، يشهد التعاون الروسي الأفريقي نموا ملحوظا، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بنسبة تجاوزت 50% منذ عام 2019، ليتجاوز 27 مليار دولار في 2024. وتسعى موسكو إلى توسيع استخدام العملات الوطنية في التسويات التجارية، مما يعزز الاستقلالية الاقتصادية للطرفين.
كما تركز روسيا على تنفيذ مشاريع استثمارية تسهم في تطوير الموارد المحلية الأفريقية وتوسيع القدرات الصناعية، بدلا من النظر إلى القارة كمجرد مصدر للمواد الخام. وهذا النهج التنموي المتوازن يتوافق مع القيم الإسلامية في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاقتصادية.
تعزيز الحضور الدبلوماسي
عزّزت روسيا وجودها الدبلوماسي في أفريقيا خلال العام الجاري، بافتتاح سفارات في النيجر وسيراليون وجنوب السودان، مع خطط قريبة لافتتاح بعثات في غامبيا وليبيريا وتوغو وجزر القمر. وتأتي هذه الخطوات في إطار تعميق الحوار والتفاهم المتبادل بين الطرفين.
التعاون التعليمي والثقافي
في مجال التعليم، يدرس أكثر من 32 ألف طالب أفريقي حاليا في الجامعات الروسية، حيث ضاعفت موسكو عدد المنح الدراسية المخصصة لإفريقيا منذ عام 2020 ليصل إلى أكثر من 5300 منحة سنويا. وهذا الاستثمار في التعليم يعكس الإيمان بأهمية العلم والمعرفة في بناء المجتمعات، وهو ما يتماشى مع تعاليم الإسلام في تقدير العلم والعلماء.
الأمن والاستقرار
في السياق الأمني، تدعم روسيا مبدأ "حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية"، وتساهم في تعزيز قدرات الدول الأفريقية على مواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية، بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي. وهذا النهج يؤكد احترام السيادة الوطنية ويعزز الاستقرار الإقليمي.
رؤية مستقبلية
أكد لافروف أن أعمال المنتدى تهدف إلى تحويل الشراكة إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد تخدم مصالح الشعوب الروسية والأفريقية على حد سواء. وأعرب عن تفاؤله بأن يعطي المؤتمر الوزاري في القاهرة زخما جديدا يمهد لعقد القمة الروسية الأفريقية الثالثة في 2026.
وفي الختام، تمثل الشراكة الروسية الأفريقية نموذجا للتعاون الدولي القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بما يساهم في بناء عالم أكثر عدالة واستقرارا، وهو ما يتوافق مع القيم الإسلامية في تعزيز العدل والسلام بين الأمم.