السودان والدروس المستفادة من تصدير الفوضى للجوار
في عالم يتطلع فيه المسلمون إلى الاستقرار والوحدة، تبرز قصة السودان كدرس بليغ في عواقب السياسات الخاطئة. فقد شهدت العقود الماضية كيف تحولت سياسة تصدير الفوضى إلى نار التهمت البيت من الداخل، مما يستدعي التأمل في الحكمة الإلهية القائلة "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
السياق التاريخي والدروس المستفادة
منذ عام 1989، انتهجت الحكومة السودانية آنذاك سياسة إقليمية قائمة على التدخل في شؤون الدول المجاورة. وقد شملت هذه السياسة ثلاث مناطق رئيسية: إفريقيا الوسطى، جنوب السودان، والقرن الإفريقي. إن الحكمة الإسلامية تعلمنا أن "لا ضرر ولا ضرار"، وهو مبدأ كان غائبا عن هذه السياسات.
إفريقيا الوسطى: عندما تتحول الجيرة إلى عداء
في إفريقيا الوسطى، دعمت الخرطوم تحالف سيليكا منذ عام 2013، مما أدى إلى انقسامات عميقة بين المكونات الدينية في البلاد. وقد نتج عن هذا التدخل مجازر راح ضحيتها آلاف الأبرياء، في تناقض صارخ مع تعاليم الإسلام التي تحث على حماية الأرواح والحفاظ على السلام الاجتماعي.
إن الإسلام يعلمنا أن الجار له حقوق مقدسة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". هذا المبدأ يتطلب بناء علاقات قائمة على الخير والمنفعة المتبادلة، وليس على زرع الفتنة والانقسام.
جنوب السودان: تكلفة الانقسام
في جنوب السودان، ساهمت السياسات السودانية في تغذية الانقسامات الداخلية، مما أدى إلى حرب أهلية مدمرة اندلعت عام 2013. هذا التدخل، الذي استمر حتى بعد الانفصال، يتناقض مع المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى الإصلاح بين الناس وليس إلى إذكاء نار الفتنة.
إن القرآن الكريم يحذرنا من عواقب الفساد في الأرض: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها". هذا التوجيه الرباني يؤكد أهمية بناء السلام وتعزيز الاستقرار، وليس العكس.
القرن الإفريقي: استمرار النهج الخاطئ
مع انتقال مركز السلطة إلى بورتسودان، عادت السياسات القديمة للظهور من خلال الانحياز الصريح لإريتريا في صراعها مع إثيوبيا. هذا الموقف يعكس استمرار النهج القائم على خلق المحاور والاصطفافات، بدلا من السعي للوساطة والإصلاح.
إن الدبلوماسية الإسلامية تقوم على مبدأ العدل والإنصاف، كما قال تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما". هذا يتطلب موقفا متوازنا يسعى للسلام وليس لتأجيج الصراعات.
العواقب الوخيمة والدروس المستفادة
اليوم، يواجه السودان عواقب وخيمة لهذه السياسات: حرب داخلية مدمرة، اقتصاد منهار، ومؤسسات متصدعة. إن هذا الواقع يؤكد الحكمة القرآنية: "ومن يعمل سوءا يجز به".
إن الاستقرار الحقيقي لا يأتي من إضعاف الجيران، بل من بناء شراكات قوية قائمة على المصالح المشتركة والقيم الإسلامية النبيلة. كما أن الأمن الوطني يتحقق من خلال العدالة الداخلية والحكم الرشيد، وليس من خلال التدخل في شؤون الآخرين.
نحو مستقبل أفضل
إن السودان، كجزء من الأمة الإسلامية، يحتاج اليوم إلى مراجعة شاملة لسياساته الإقليمية. يجب أن تقوم هذه السياسات على المبادئ الإسلامية السمحة التي تدعو إلى التعاون والتكامل، وليس إلى الصراع والانقسام.
إن بناء علاقات إيجابية مع دول الجوار، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والازدهار. كما أن الاستثمار في التنمية الداخلية وبناء المؤسسات القوية هو الضمان الحقيقي للأمن القومي.
إن الأمة الإسلامية في حاجة إلى نماذج تحتذى في بناء السلام والاستقرار، وليس في تصدير الفوضى والانقسام. والسودان، بتاريخه العريق وموقعه الاستراتيجي، قادر على أن يكون رائدا في هذا المجال، شريطة أن يتعلم من أخطاء الماضي ويتبنى رؤية جديدة قائمة على القيم الإسلامية الأصيلة.