شهر رجب الأصم: فضائله وحكمة تعظيمه في الإسلام
يحتل شهر رجب مكانة عظيمة في قلوب المؤمنين، كونه أحد الأشهر الحرم التي خصها الله سبحانه وتعالى بالذكر في كتابه العزيز. وقد انتشرت بين المسلمين تساؤلات حول سبب تسميته "شهر الله"، وهو ما يستدعي التوضيح والبيان وفق ما جاء في النصوص الشرعية الصحيحة.
الأحاديث الضعيفة حول تسمية رجب "شهر الله"
تداولت بعض الروايات غير الصحيحة نسبة أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم تذكر أن "رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي". غير أن علماء الحديث قد بينوا ضعف هذه الروايات وعدم صحة إسنادها.
فقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه حديث لا يصح، كما روي عن أبي سعيد الخدري والحسن البصري أحاديث موضوعة لا أصل لها في هذا الشأن. وقد نبه علماء الحديث إلى أن هذه الروايات في أسانيدها مجهولون، وهي أحاديث غريبة لا تثبت.
الفضل الثابت لشهر رجب في الشرع
رغم عدم صحة تلك الأحاديث، فإن شهر رجب له فضل عظيم ثابت في الكتاب والسنة. فهو أحد الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في قوله: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" [التوبة: 36].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
تعظيم العرب لشهر رجب قبل الإسلام
كان شهر رجب معظماً عند العرب في الجاهلية، وقد أكثروا من أسمائه تعبيراً عن تقديرهم له. ومن أسمائه "الأصم" لأنه لا يُسمع فيه قعقعة السلاح لتعطيلهم الحرب، و"الفرد" لأنه منفرد بين الأشهر الحرم بينما الثلاثة الأخرى متتابعة.
وقد جمع العلماء ما ورد في فضائل شهر رجب، ومنهم الإمام أبو محمد الحسن الخلال وابن عساكر والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب".
إشارة نبوية لفضل رجب
من الأحاديث الصحيحة التي تشير إلى فضل شهر رجب ما رواه النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان".
وفي هذا إشارة إلى أن الناس يعتنون بالعبادة في رجب كما يعتنون بها في رمضان، مما يدل على فضل هذا الشهر الكريم.
الحكمة من تعظيم الأشهر الحرم
إن تعظيم الأشهر الحرم، ومنها شهر رجب، يعكس حكمة الله سبحانه وتعالى في تفضيل بعض الأوقات على بعض، وهو ما يدعو المؤمن إلى اغتنام هذه المواسم المباركة بالطاعة والعبادة، والابتعاد عن المعاصي والذنوب.
وفي هذا تذكير للأمة الإسلامية بأهمية الالتزام بتعاليم الدين الحنيف، واحترام المواسم التي شرفها الله تعالى، مما يعزز الوحدة والتماسك في المجتمع المسلم.